تحقيق استقصائي | الإمارات والدعم السريع: كيف صاغت أبوظبي جيشًا موازياً خارج الدولة السودانية؟

1 minute للقراءة
108 مشاهدة

مقدمة

منذ نهاية تدخل قوات الدعم السريع في حرب اليمن، لم يكن محمد حمدان دقلو (حميدتي) مجرد قائد ميليشيا سودانية عائدة إلى الخرطوم. بل كان مشروعًا يتبلور في مخيلة القيادة الإماراتية، وتحديدًا في مكتب محمد بن زايد، كذراع خارجي متعدد الوظائف: اقتصاديًا، أمنيًا، وسياسيًا. وتحول خلال سنوات إلى ما يشبه جيشًا موازياً للدولة السودانية، لكن مرجعيته ليست سيادية، بل هاتفٌ يُرفع في قصر أبوظبي.

التأسيس: إمبراطورية من الذهب تبدأ من دبي

بين عامي 2017 و2023، تم تسجيل أكثر من 50 شركة في دولة الإمارات، لا سيما في دبي، بأسماء حميدتي وشقيقه عبد الرحيم دقلو، أو واجهات مرتبطة بهما. تشير وثائق تجارية وتحقيقات اقتصادية إلى أن أغلب هذه الشركات كانت واجهات لنشاط محوري: نقل الذهب السوداني – خصوصًا من مناجم دارفور – إلى دبي عبر طائرات خاصة، دون المرور على الخرطوم أو المؤسسات الجمركية السودانية.

تم تهريب مئات الأطنان من الذهب من دون وثائق، وأُدخلت مباشرة إلى منظومة تجارية تتبع لمجموعة شركات على صلة بمنصور بن زايد، حيث جرى غسلها مالياً وإعادة تدويرها عبر الأسواق الإماراتية.

وبدلًا من أن تصب العائدات في خزانة الدولة السودانية، كانت تُحوّل إلى بنوك إماراتية، ضمن حسابات تعود لشركات مثل AZ Gold و”كابيتال تاب”، بالإضافة إلى كيانات أكثر غموضًا. في المحصلة، كان هذا المال يُستعمل لتمويل:

  • شراء السلاح.

  • تسديد رواتب مقاتلي الدعم السريع.

  • تمويل الحملات الدعائية والسياسية.

  • إنشاء شبكة خدمات لوجستية عسكرية.

بهذا المعنى، فإن الإمارات كانت تُمكن الدعم السريع من قتال الجيش السوداني بأموال السودان نفسه، لا من أموالها.

المرحلة التالية: الجسر الجوي العسكري – تسليح مقنّع عبر تشاد

في مايو 2023، ومع اندلاع المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، دخلت العلاقة بين أبوظبي والدقلو مرحلة أكثر علانية وخطورة.

بين مايو 2023 ومايو 2024، تم توثيق 32 رحلة شحن عسكري من مطار أبوظبي إلى مطار “عَمْدرَس” في شمال شرق تشاد. ورغم أن الرحلات كانت ترفع غطاء “مساعدات إنسانية” مقدّمة من الهلال الأحمر الإماراتي، إلا أن محتويات الشحنات تضمنت:

  • ذخائر متنوعة.

  • طائرات مسيرة من طرازات مختلفة.

  • أنظمة اتصال مشفرة.

  • رادارات ميدانية.

كما تم إنشاء مستشفى ميداني إماراتي في المنطقة، لكنه – وفق شهادات محلية ومصادر دبلوماسية – لم يكن سوى نقطة لتجميع المعدات وتوزيعها إلى قوات الدعم السريع المنتشرة في دارفور وغرب كردفان.

وتولى تنفيذ هذه العمليات ضباط من جهاز أمن الدولة الإماراتي، بالتعاون مع شبكة تهريب إقليمية نشطة عبر الحدود، يُشرف عليها أفراد يرتبطون مباشرة بـ طحنون بن زايد، المعروف بإدارته للملف السوداني من منظور أمني-اقتصادي.

تحذير أمريكي وتوصيف داخلي

في يناير 2025، وجهت إدارة أمريكية سابقة تحذيراً مباشراً للإمارات، قالت فيه إن واشنطن رصدت ما وصفته بأنه “أكبر عملية دعم عسكري لفصيل مسلح غير حكومي في إفريقيا خلال عقد من الزمن، تحت غطاء طبي”.

ورغم الصمت الرسمي الإماراتي، تشير مصادر دبلوماسية إلى أن أبوظبي لم تُخفِ علاقاتها مع حميدتي، بل كانت تعتبره “الذراع الذهبية” للمشروع الإماراتي في شرق ووسط إفريقيا. وقد استُقبل في قصر الوطن كـ”رئيس دولة غير معلن”، وخصّصت له طائرة خاصة وجولات خارجية كان يقوم بها كسفير فعلي لسياسات أبوظبي في المنطقة.

المرتكز الاقتصادي–الاستراتيجي

في تقدير العديد من الباحثين، فإن دعم الإمارات لحميدتي لم يكن قائمًا فقط على الرغبة في النفوذ العسكري، بل استند إلى مرتكز اقتصادي واستراتيجي متكامل:

  • الذهب السوداني كان مورداً لا غنى عنه لدبي، في وقت تسعى فيه الإمارات للحفاظ على مركزها كأكبر سوق ذهب عالمي غير خاضع لرقابة صارمة.

  • السيطرة على طرق التهريب والعبور في دارفور وغرب السودان، بما يخدم أجندة أوسع تمتد إلى تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى.

  • تقويض أي عودة لتيارات إسلامية في السودان، من خلال تمكين شخصية عسكرية غير مرتبطة بأي أيديولوجيا.

  • خلق نفوذ استباقي في السودان يمنع التمدد التركي أو القطري أو حتى السعودي، في سياق التنافس على موانئ البحر الأحمر وثروات الداخل الإفريقي.

خاتمة: ما بين الذهب والدم

ما بدأ كمشروع لشراء الولاء والنفوذ عبر الذهب، تحوّل إلى نزاع دموي دمّر الخرطوم وأجزاء واسعة من السودان. ووفق تقارير أممية، فإن قوات الدعم السريع مسؤولة عن جرائم واسعة في دارفور، من تطهير عرقي إلى اغتصاب جماعي وقتل مدنيين.

ووسط كل هذا، لا تزال الإمارات تنفي علنًا وجود دعم رسمي لحميدتي، رغم الدلائل المتزايدة على العكس.

إن هذا النموذج – بحسب مراقبين – يُعيد تشكيل نمط جديد من الحروب بالوكالة، يعتمد على التمويل الاقتصادي بدل التدخل العسكري المباشر، وعلى توظيف الفوضى كوسيلة لبسط النفوذ السياسي والاقتصادي.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *