تدخل كيني مشبوه.. صناديق ذخيرة تحمل ختم نيروبي في مستودعات ميليشيا الدعم السريع
في تطور يكشف أبعادًا جديدة للتدخلات الإقليمية في الحرب الأهلية السودانية، تمكن فريق تحقيق مشترك من موقع بيلينغكات وصحيفة ديلي نيشن الكينية من تحديد وجود صناديق ذخيرة تحمل علامات وزارة الدفاع الكينية، داخل أحد مستودعات ميليشيا الدعم السريع في محيط العاصمة السودانية الخرطوم، بعد استعادته من قبل القوات المسلحة السودانية.
ورغم تعذر التحقق بشكل مستقل من محتويات جميع الصناديق، إلا أن صورًا وفيديوهات موثقة تُظهر علب ذخيرة مطابقة لنقوش الصناديق، ظهرت ضمن الأسلحة والذخائر التي عرضها الجيش السوداني بعد سيطرته على مواقع الميليشيا
زيارة مشبوهة وردود متناقضة
اللافت أن الكشف عن هذه الصناديق جاء بعد أشهر من زيارة مثيرة للجدل أجراها قائد ميليشيا الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، إلى العاصمة الكينية نيروبي في شباط/ فبراير الماضي، ما أثار حينها تساؤلات عن طبيعة العلاقة بين الطرفين.
وبعد الزيارة مباشرة، فرضت الحكومة السودانية حظرًا شاملاً على الواردات الكينية، في خطوة فسرتها الأوساط السياسية السودانية على أنها احتجاج على ما وصفته بتقارب مريب بين إدارة الرئيس ويليام روتو وقيادة الدعم السريع.
رغم ذلك، حاولت الحكومة الكينية التخفيف من وقع الفضيحة، إذ أعلنت أن استضافتها لقائد الميليشيا كان بدافع “تشجيع الحوار والسلام”، في موقف بدا مناقضًا لحقيقة المشهد العسكري الميداني.
من جانبها، نفت وزارة الدفاع الكينية أي صلة بالصناديق المضبوطة، وذكرت أنها تحتفظ بسجلات دقيقة لإمدادات مصانعها داخليًا وخارجيًا، غير أن اللافت أن بيان الوزارة تجنب الإشارة إلى أي عمليات استيراد أو تحويل أسلحة، ما ترك باب الشكوك مفتوحًا بشأن كيفية وصول تلك الصناديق إلى أرض المعركة في السودان.
ما يثير الريبة أيضًا أن شركة مصانع الأسلحة الكينية (KOFC) المملوكة للدولة، لا تُعلن ضمن منتجاتها الرسمية عن ذخيرة عيار 14.5×114 ملم ولا قذائف هاون HE PP87 من الصناعة الصينية، وهي أصناف ظهرت ضمن المستودع الذي وُثّق وجوده.
من جانبه، علق جاستن لينش، المدير الإداري لمجموعة Conflict Insights، لموقع بيلينغكات قائلاً: “وجود هذه الصناديق دليل إضافي على الدعم اللوجستي والسياسي الذي توفره كينيا لقوات الدعم السريع، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، سواء عبر بيع السلاح، أو تسهيل وصوله عبر أراضيها”.
وكانت القوات المسلحة السودانية قد أعلنت في 20 أيار/ مايو الماضي سيطرتها على كامل العاصمة الخرطوم وأم درمان وبحري، وأعقبت ذلك حملة تمشيط واسعة كشفت مستودعات ضخمة للأسلحة والذخيرة خلفها الدعم السريع.
كيف تم التحقق من الموقع؟
تمكنت فرق التحقيق من مطابقة الموقع عبر ثلاث مقاطع فيديو نشرها جنود من الجيش السوداني أثناء تمشيطهم منطقة “الصالحة” جنوب أم درمان، وأظهرت المقاطع صناديق ذخيرة تحمل علامة وزارة الدفاع الكينية، داخل مستودع كانت تتمركز فيه قوات الدعم السريع.
عبر مطابقة العناصر الظاهرة في المقاطع من مبانٍ وأسماء شوارع، مع صور الأقمار الاصطناعية، تم التأكد من موقع المستودع، وتبيّن أن الفيديوهات التقطها ضابط من جهاز المخابرات العامة السودانية وجندي آخر خلال الحملة العسكرية لاستعادة الخرطوم.
وسط تقارير متزايدة عن استخدام الدعم السريع لممرات تهريب سلاح عبر تشاد والإمارات وليبيا، ويفتح هذا الكشف الباب أمام تساؤل خطير هل تُستخدم كينيا كمعبر لوجستي جديد لدعم قوات الدعم السريع، ورغم نفي كينيا، إلا أن القصة لم تنتهِ هنا، فقد طالب ناشطون حقوقيون ومنظمات دولية بفتح تحقيق دولي شفاف حول مصدر هذه الأسلحة، ودور نيروبي المحتمل في دعم أحد أكثر الفصائل المسلحة تورطًا في جرائم الحرب بالإقليم.