شهادات مروعة.. جرائم الدعم السريع بتمويل إماراتي تُوثق بالدم والمقابر الجماعية
بقلم: معتز السيوفي
كاتب صحفي
بينما تحاول عائلات سودانية الفرار من مناطق النزاع نحو بقعة أمل أو نقطة ماء، تتحول الطرق إلى مصائد موت تقيمها قوات الدعم السريع.
وتوثق شهادات جديدة، نشرها موقع ميدل إيست آي، سلسلة من الجرائم المروعة التي ارتكبتها تلك القوات بحق المدنيين في مدينة “الصالحة” ومحيط أم درمان، حيث تم اختطاف رجال، وإعدام بعضهم ميدانيًا، والتنكيل بالنساء، وسرقة الممتلكات، وسط دعم خارجي مباشر، وعلى رأسه الدعم الإماراتي، الذي بات يُغذي واحدة من أكثر الحروب الأهلية دموية في العالم اليوم.
العبور إلى الجحيم: حواجز الدعم السريع كمصائد موت
في أحد أيام أبريل/نيسان، قررت عشرات العائلات من قبيلة الجميعات الفرار من منطقة “الصالحة” غرب الخرطوم باتجاه أم درمان، التي كانت تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية.
لكن الرحلة لم تكتمل، فقد نصبت قوات الدعم السريع حاجزًا قاتلًا على الطريق، أوقف القافلة، أطلق النار على إطارات الشاحنة، وأجبر الجميع على الترجل.
ما حدث بعد ذلك كان جحيمًا بشريًا. تم اقتياد الرجال إلى محلات على جانب الطريق، وهناك بدأت حفلات التعذيب الجماعي.
يُجلد الرجال، يُضربون بالكتل الحديدية، ويُطلق عليهم الرصاص في القلب لمجرد الاشتباه في انتمائهم لقبيلة الجميعات، التي تتهمها قوات الدعم السريع بمساندة الجيش. أحد الشهود، يوسف حسين، أكد أن المقاتلين أعدموا صديقًا له بعد أن حاول الادعاء بانتمائه لقبيلة أخرى.
تُركت النساء لرحلة أخرى من العذاب. تمت مصادرة هواتفهن وأموالهن وحتى حساباتهن البنكية عبر التطبيقات المصرفية.
تقول رحاب إسماعيل: “كانوا يفتحون الهواتف، وإن وجدوا تطبيقًا مصرفيًا فيه مال، أجبروك على تحويله إليهم”. لاحقًا، حاول ثلاثة من المقاتلين خطفها، وعندما رفضت، وُضع سكين على رقبتها.
مقاطع فيديو الموت: الأدلة التي تُدين
استعادت آمال إسماعيل، إحدى الناجيات، هاتفها المحمول خلسة، وانهالت عليها مقاطع الفيديو. ظهرت صور إخوتها مقيدين، نصف عراة، يتعرضون للضرب. ثم شاهدت جثة أخيها محمد تحت إطار سيارة، فيما يُجلد زوج شقيقتها، الخير إبراهيم. قُتل 31 شخصًا على الأقل من تلك القافلة، حسب الشهادات.
وفي مشاهد أخرى، يظهر مقاتلو الدعم السريع وهم يطلقون النار على المعتقلين قائلين: “لن ينجو أحد”.
هذا التوثيق لم يترك مجالًا للشك بشأن بشاعة الجرائم المرتكبة، ورغم ذلك، نفت قوات الدعم السريع مسؤوليتها، وزعمت أن الفيديوهات تعود لأعضاء ميليشيا متشددة، في محاولة لتضليل الرأي العام وتبرير المذبحة.
الصالحة تحت الاحتلال: جثث في كل زاوية ومقابر مرتجلة
في 19 مايو/أيار، أعلن الجيش السوداني استعادته الكاملة للصالحة، واكتشف واقعًا أكثر مرارة مما كان متوقعًا.
عُثر على مقابر جماعية تضم جثثًا متحللة، بعضها دُفن تحت أرضيات المنازل. في مقر استخباراتي سابق لقوات الدعم السريع، وُجدت ثلاث دبابات ممتلئة بجثث متحللة، تحمل آثار ضرب وشقوق وجروح عميقة.
أمام مركز شرطة حولته قوات الدعم السريع إلى مركز احتجاز، نُصبت مقبرة مرتجلة، تتناثر فيها القبور المكسوة بالتراب الرطب، وتبرز من بعضها رُكب بشرية في مشهد كأنما من أفلام الرعب. تقول المُعلمة ابتسام عياد: “كان الصالحة مكانًا جميلًا وآمنًا.. الآن هو مجرد مقبرة جماعية”. وتضيف: “بنات الجيران تم اختطافهن، ولا أحد يعرف مصيرهن”.
الإمارات.. شريك الجريمة الصامت
رغم نفيها الرسمي، تؤكد تقارير عدة أن الإمارات تواصل دعمها العسكري لقوات الدعم السريع عبر شحنات الأسلحة والتمويل. وقد كشف تحقيق سابق لوكالة رويترز أن أبوظبي استخدمت شبكات تهريب وشركات وهمية لنقل معدات عسكرية إلى المليشيا السودانية.
الدعم الإماراتي ليس فقط تسليحيًا، بل يمتد إلى الغطاء السياسي والدبلوماسي، حيث تسعى أبوظبي لتقديم الدعم لقادة الحرب السودانية من خلف الكواليس، بهدف الحفاظ على نفوذها الاستراتيجي في منطقة البحر الأحمر وداخل السودان نفسه. وتطرح التقارير تساؤلات مقلقة حول مدى تورط الإمارات في توريط البلاد نحو مزيد من الانهيار والدم.
خاتمة: بين المقابر والانتظار.. العدل غائب
رغم تحرير الجيش السوداني لمنطقة الصالحة، فإن أهالي الضحايا ما زالوا يعيشون على أمل معرفة مصير أحبائهم. تقول أمل: “الأسوأ من الموت هو الغياب.. لا نعرف من قُتل ومن لا يزال على قيد الحياة”. يعيش سكان الصالحة في صدمة جماعية، يتنفسون رائحة الجثث، ويعبرون يوميًا فوق قبور محفورة على عجل.
ليست هذه مجرد مأساة حرب، بل جريمة ممنهجة ترتكبها ميليشيا مدعومة من دولة إقليمية، وسط صمت دولي مريب. ومع كل قبر جديد يُفتح، تُفتح جراح الشعب السوداني من جديد، وتبقى العدالة مؤجلة إلى حين.