أخطأ الوليد مادبو وأصاب ياسر العطا

0 دقائق للقراءة
389 مشاهدة

بقلم : محمد نصر الدين العربي

يبدو أن مرارات الحرب بطول زمانها الذي قارب الحول لم تترك في البلاد حكيماً إلا وقد أصابته زعزة الوعي ولا حليماً يُنتظر منه التريث ساعة الغضب لكي لا يستفز ولا يُستفز وهو ظالم لنفسه وللآخرين، وقليلا من أثابه الله بهبة الصبر وقوة الاحتمال، ومن بين تلك الأصناف نخبة من الرموز السياسية والاجتماعية القابلة لتغيير المزاج وتبديل المواقف والتنصل من مواقع المسؤولية في المقام الأول، تمثلت في إطلالة الدكتور الوليد مادبو وهو من أحد مثقفي هذا الزمان العنكبوتي واصفاً نفسه بأنه ( مثقف رزيقي ) خلال حوار قصير مع “سعد الكابلي ” في قناته المُشاهدة على الشبكة، وما كان للدكتور المثقف أن يجمع ما بين رجل حباه الله بدرجة أكاديمية عليا ومتعددا للمعارف التي لا يتلقاها إلا ذو حظ عظيم، وبين رجل يفاخر بالنسب بقصد الاستعلاء على الآخرين من بني جلدته ووطنه، مستنكراً لحديث الفريق أول ياسر العطا بأنه *” حديث غير مسؤول يستثير حفيظة الناس “* في محاولة بائسة للتوفيق بين رؤاه الجديدة وما يراه الناس عبر الحوار في شأن الحرب، وفيه استدراج للمشاهد نحو القدح في وطنية الفريق أول ياسر العطا والبخس من حقه ليلاحقه الناس بالشتائم والسِباب ( يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور )؟ وحذر الدكتور في نهاية حواره بأن *” الأمور قد تفلت وأن الضرر الذي سيلحق بياسر العطا في الشمالية ونهر النيل قد يكون أكبر مما لحق بدارفور في 2003″*.

إن كان يعلم الدكتور الوليد مادبو القليل عن السيد الفريق أول ياسر العطا لما تجرأ بأن يصوّر للمشاهد بأنه رجل عنصري أو متحيزاً إلي فئة غير القوات المسلحة أو حتى أن يسيئ الظن به، فعندما صرّح *” سنلاحقهم في قُراهم وبواديهم “* لم يسمي قبيلةً بعينها كما فعل مادبو في حواره هذا وأتهم قبيلة دون دليل، وإن كان قريباً ممن هم حول العطا في نطاق عمله ومسيرته العسكرية لاستدل بأبسط الأشياء في عدم وجود ممن هم حوله ينتمي لأسرته أو ضمن طاقم المرافقين العسكريين له ولا من قبيلته حتى، رغم أنه خياراً شخصيا يقع على من يثق به، وإن كان لا يعلم ايضاً بأنه في فاشر السلطان قد وُلد وترعرع وطاف البلاد بإتجاهاتها يافعا مع أسرته شمالاً وشرقاً ومقاتلا في صفوف جيشه، وقد عُرف به بين رفاقه في الجنوب قبل ثلاثون عاماً ( ياسر كلمنت ) نسبةً للجنرال الجنوبي كلمنت واني ياتا الذي عمل تحت قيادته في القوات المسلحة لسنوات، لكن ما اختصّ بذلك الإسم إلا لما تفرّد به من علاقات إنسانية وثيقة جعلت من الجنرال الجنوبي أباً يُكنى به، وهناك الكثير إن أطلنا لكن هي واحدة من مصادر القوة لرجل يحمل الوطنية على كتفيه، قد ورثها من أسلافه الذين جمعت بينهم القومية السودانية لا غيرها وصنعت منه قائداً عسكرياً لجيش قومي، وإن تقصى الدكتور الوليد عن ياسر العطا لن يجد أهله في الشمالية ونهر النيل فقط، بل في كل شبر من أرض الوطن ستجد له موطئ قدم وعشيرة وقبيلة، لكن فيما يبدو أنه لا يعرف هذا ( الشخص ) جيداً بدليل صمته عن ذكر صفته المهنية في الحوار وليس العطا هو من يجهل بإنسان السودان ويستعلي عليه بنسب أو رهط.

دائماً ما يتحدث الفريق أول ياسر العطا بعقيدة الجيش”فما للجيش للجيش ” وقت الحرب، حديث الفارس الذي لم ينم له سيفاً في غِمد حتى الآن، حديثاً غير معسول مكتملاً في الجرأة والشجاعة ضد من خان الوطن، وإن أراد غير ذلك من هذا المكان لما أصاب، فمنذ ظهوره الصوتي الأول على فضائية قناة الحدث بداية الحرب صرّح أن “هناك مليشيا تمردت على سلطة الدولة، والجهد عملياتي بحت لإخضاع التمرد ومحاكمة قادتها ” والجميع يعلم أن الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع أو “الجنجويد ” التي جندت الآلاف من مختلف قبائل السودان، لكن أغلب الظن أن الحديث قد استثار حفيظة الوليد لوحده ولم يستبين النصح لضحى الغدِ ليحدد موقفه.

على نهج مخالف لمن أراد تغبيش الحقائق، سار الجنرال في حربه كقائد عسكري ضد مليشيا ( الجنجويد ) التي تمادت في ارتكاب الجرائم في حق الوطن والمواطن بعد أن حشدت من بالداخل والخارج بروابط القبيلة والارتزاق.، *” مافي قبيلة بتحكم السودان اطلاقا “* قالها العطا وهو الواثق من إنحسار هذه المليشيا التي لا ترتكز على قومية تمكنها من حكم البلاد رغم إمتلاكها لقوة العتاد، وها هي نقاط الضعف قد وضحت للعيان وأفلت الكثيرون من فخ القبليّة والحرب الأهلية المدّعاة واستعادة الديمقراطية وزوال دولة 56 والقضاء على الفلول، لكن الدكتور مادبو أراد تماهيا وإنصات لما يروج له صبية الميديا ( الجنجويد ) ليكون ذراعاً آخراً وأخير بعد أن قفز العوام من السفينة ” الدعم السريع ” التي اتسع خرقها ليتصدر العراك نفراً من الرموز الأكثر تعليماً وإدراك أو كما قال الشاعر:

*كنّا نُداريها وقد مُزقت * واتسع الخرق على الراقِع*
*كالثوب إذا أنهج فيه البلى * أعيا على ذي الحيلة الصانع* ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *