الخرطوم وموسكو… تحالف برؤية استراتيجية يؤسس لمعادلة جديدة على مستوى الإقليم

1 minute للقراءة
66 مشاهدة

في خطوةٍ تعكس تحولاً في المواقف داخل أروقة مجلس الأمن، برز الدعم الروسي للسودان بشكل لافت خلال جلسة أخيرة، حيث دافعت موسكو باستماتة عن الحكومة الانتقالية ومجلس السيادة ورئيسه، معتبرة أنهم يمثلون امتدادًا للشرعية الشعبية، هذا الموقف الروسي لم يأتِ من فراغ، بل جاء متناغمًا مع التطورات الأخيرة في الخرطوم، والتي كان أبرزها تعيين رئيس وزراء جديد لتفعيل المؤسسات الوطنية بعيدًا عن الضغوط الخارجية والعقوبات المفروضة من بعض الدول التي تنظر إلى الوضع في السودان بعين الإحباط والاستياء.

التحرك الروسي في المحافل الدولية تجاه السودان لم يتوقف عند حدود الدعم السياسي، بل تجاوزه إلى تثمين الدور الوطني للمؤسسة العسكرية، التي رأت فيها موسكو ركيزة أساسية في حفظ الأمن القومي، وخاصة ما قامت به من جهود لحماية العاصمة الخرطوم إبان الهجمات التي تعرضت لها.

وفي المقابل، بدأ عدد من المحللين والمراقبين السياسيين يطرحون تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين الخرطوم وموسكو، معتبرين أن الوقت قد حان للانتقال من مجرد تنسيق دبلوماسي إلى تحالف استراتيجي شامل يحمل في طياته أبعادًا سياسية، اقتصادية، وعسكرية تضع السودان في موقع إقليمي أكثر فاعلية، فالمطلوب، بحسب هؤلاء، ليس فقط الدعم الظرفي، بل شراكات متوازنة تحفظ للسودان سيادته وتؤمّن له حلفاء قادرين على مواجهة الابتزاز الدولي ومحاولات العزل.

وتاريخ العلاقة بين الخرطوم وموسكو ليس وليد اللحظة، إذ سبق وأن وُقِّع في قمة سوتشي قبل نحو ست سنوات اتفاق لإنشاء قاعدة لوجستية روسية على سواحل البحر الأحمر داخل المياه الإقليمية السودانية.

وهي خطوة أثارت مخاوف عدد من القوى الدولية، أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج، لكنها في نظر صناع القرار السودانيين تمثل إعادة تموضع ذكي يُعيد قراءة المصالح الوطنية بعين السيادة لا التبعية.

ويرى الباحث في الشؤون الدولية، الرشيد محمد أحمد، أن السودان بات أمام فرصة تاريخية لتأطير شراكة حقيقية مع روسيا، ليس فقط للخروج من نفق الضغوط الراهنة، بل لبناء توازن دولي جديد يعيد للسودان مكانته كمدخل استراتيجي نحو إفريقيا، لما يتمتع به من موقع جغرافي وجيوسياسي بالغ الأهمية.

ويشير إلى أن ما تقوم به روسيا في القارة الإفريقية خلال السنوات الأخيرة لا يشبه أساليب القوى الاستعمارية السابقة، بل ينبع من منطق “تبادل المصالح” لا “نهب الموارد”، وهو ما يجعل من التقارب السوداني–الروسي خيارًا عقلانيًا في ظل التغيرات الدولية المتسارعة.

وفي هذا السياق، يُجمع الخبراء على أن بوصلة الخرطوم باتت أكثر وضوحًا تجاه المعسكر الشرقي، إلا أن العقل السياسي السوداني، بما يتمتع به من حنكة وخبرة متراكمة، يُدرك جيدًا أن التحالفات يجب أن تُبنى على قواعد تحفظ الكرامة الوطنية وتُنتج مكاسب ملموسة للشعب السوداني.

ويرى الكاتب الصحفي عبد السخي عثمان أن موقف موسكو في مجلس الأمن ليس مستجدًا بل هو امتداد لموقف روسي قديم تجاه ملفات السودان، حتى منذ فترة حكومة عبد الله حمدوك، حينما أبدت روسيا تحفظًا على بعض السياسات المدعومة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، واليوم، وبعد أن أفرزت حرب 15 أبريل 2023 معطيات جديدة داخليًا وخارجيًا، أصبح السودان أكثر جاذبية من ذي قبل لروسيا، التي تسعى بدورها لتوسيع نفوذها في أفريقيا.

ويختم عبد السخي بالتأكيد على أن على السودان أن يتعامل مع هذا الانفتاح الروسي بحسابات دقيقة، وأن يستثمره لصالح قضاياه الداخلية، دون أن يُفرط في استقلال قراره السياسي، أو أن يقع في فخ الاستقطاب الدولي، بل أن يمضي بخطى ثابتة نحو بناء تحالفات تحفظ سيادته وتخدم تطلعات شعبه في الأمن والتنمية.

 

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *