ميليشيا بوجه سياسي.. “تأسيس” خطوة لتجميل الإجرام قبل الصفقة الدولية
كشف المستشار السياسي الأمريكي والدبلوماسي السابق كاميرون هدسون عن اقتراب عقد محادثات دولية لوقف إطلاق النار في السودان، يُتوقع أن تُعقد في العاصمة الأمريكية واشنطن، بمشاركة دول “الرباعية الدولية” (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، ومصر)، إلى جانب قطر والمملكة المتحدة.
هدسون، المعروف بمتابعته الدقيقة للملف السوداني، اعتبر أن إعلان تحالف “تأسيس” عن تشكيل حكومة انتقالية جديدة يضم ميليشيا الدعم السريع، ما هو إلا محاولة مكشوفة لإضفاء مظهر سياسي على تنظيم مسلح، تمهيدًا لأي مفاوضات قادمة.
وقال هدسون بلهجة حادة إن “ارتداء ربطات العنق أو حمل الشهادات لا يغيّر من واقعهم كميليشيا غير شرعية، فهم مجرد قتلة”، ووصف التشكيل بأنه خطوة تهدف إلى تلميع صورة الدعم السريع سياسيًا قبل الدخول في أي تسوية محتملة، مؤكدًا أن هذه المحاولة تسعى لفرض أمر واقع قبيل انطلاق المسار التفاوضي الجديد.
وتأتي هذه التصريحات في وقت أعلن فيه تحالف “تأسيس” من مدينة نيالا عن تشكيل حكومة انتقالية موازية برئاسة محمد حسن التعايشي، وتكوين مجلس رئاسي مكوّن من 15 عضوًا برئاسة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، وتعيين عبد العزيز الحلو نائبًا له. كما تم توزيع مناصب حكام الأقاليم، حيث شملت القائمة كلًا من الهادي إدريس لإقليم دارفور، جقود مكوار لجنوب كردفان، فارس النور لولاية الخرطوم، مبروك مبارك سليم للإقليم الشرقي، جوزيف تكه لإقليم الفونج، وصالح عيسى للإقليم الأوسط، إلى جانب أبو القاسم الرشيد للإقليم الشمالي، إضافة إلى شخصيات سياسية أخرى مثل الطاهر حجر ومحمد يوسف أحمد المصطفى ومحمد حامد النويري.
ويبدو أن توقيت الإعلان ليس عشوائيًا، بل يأتي في ظل تصاعد القتال واستمرار الانقسام، ومحاولة ميليشيا الدعم السريع تثبيت مكاسبها الميدانية ضمن ترتيبات سياسية قادمة. إلا أن مراقبين يرون أن إدماج جهات مسلحة في تسويات لا تشترط العدالة والمحاسبة قد يُعيد إنتاج الأزمة بصورة أعمق، ويُكرّس واقع الإفلات من العقاب.
في المقابل، يروّج تحالف “تأسيس” لتحركه بوصفه خطوة نحو سلطة مدنية بديلة عن الحكم العسكري، لكن هذا الطرح يواجه رفضًا شعبيًا واسعًا، إذ يرى كثيرون أن الدعم السريع طرف أساسي في مأساة السودان، ولا يمكن فصله عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، والتي خلّفت آلاف القتلى وملايين النازحين.
وفي ظل هذه المعطيات، تبقى الأنظار معلقة على نتائج محادثات واشنطن المرتقبة، والتي قد تشكّل لحظة فارقة في مسار الحرب أو السلام. لكن حتى الآن، تبدو فرص الانفراج محدودة، في ظل استمرار الميليشيات في تكريس نفوذها ميدانيًا، وتعدد المبادرات الدولية دون إطار واضح يضمن وقف القتال وتحقيق العدالة وإنهاء الانقسام.