لماذا لا تُنهي الإمارات الحرب في السودان؟

0 minutes للقراءة
210 مشاهدة

على مدى تسعةٍ وعشرين شهرًا، يقف المجتمع الدولي متفرجًا على الصراع الدموي في السودان بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم بحسب توصيف الأمم المتحدة. وفي ولاية شمال دارفور، تتفاقم الأزمة بصورة مأساوية؛ إذ تحاصر قوات الدعم السريع منذ ثمانية عشر شهرًا أكثر من 400 ألف مدني داخل مدينة الفاشر، العاصمة الإقليمية، وتتعرض قوافل الإغاثة لهجمات متكررة باستخدام الطائرات المسيّرة.

ورغم خطورة الوضع، لم يتطرق زعماء العالم خلال اجتماعات الجمعية العامة الأخيرة للأمم المتحدة إلى هذا الحصار غير المسبوق. ويشير عدد من التقارير الدولية إلى أن الطرف الأكثر تأثيرًا في عرقلة الجهود الهادفة إلى إنهاء الحصار هو دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تعد المستفيد الأكبر من بقاء قوات الدعم السريع في مواقع السيطرة.

فبحسب تقارير موثوقة، كانت الإمارات العضو الوحيد في “المجموعة الرباعية” المعنية بالتسوية السياسية في السودان الذي اعترض على إصدار بيان يدين الهجمات على المدنيين أو يدعو إلى فك الحصار. وبالرغم من نفي الإمارات تقديم أي دعم عسكري أو لوجستي لقوات الدعم السريع، فإن أدلة موثقة وتدفقات الأسلحة المتزايدة منذ أشهر تشير إلى عكس ذلك، بالتزامن مع تصعيد العمليات ضد مدينة الفاشر.

ويواجه سكان المدينة خطر المجاعة والموت الوشيك؛ إذ يعيش نحو نصف مليون شخص على أعلاف الحيوانات في ظل انقطاع تام للغذاء والدواء. وتشير التحقيقات المستقلة، ومنها تقرير مركز راؤول والنبرغ لحقوق الإنسان، إلى أن قوات الدعم السريع ترتكب إبادة جماعية بحق المجتمعات غير العربية، وخاصة قبيلة المساليت، عبر قتل منهجي قائم على الهوية العرقية، مصحوب بخطاب كراهية ينزع الإنسانية عن الضحايا.

وقد سبق لهذه القوات أن ارتكبت مجازر مروّعة في مدينة الجنينة عام 2023، أودت بحياة ما يصل إلى 15 ألف مدني، ثم كررت الفظائع نفسها أثناء تقدمها نحو الفاشر، حيث قتلت أكثر من 1,500 نازح، وشرّدت مئات الآلاف قسرًا.

اليوم، تحوّل جميع سكان الفاشر تقريبًا إلى أهداف عسكرية معلنة من قبل قوات الدعم السريع، التي أصدرت أوامر صريحة بإبادة المكونات غير العربية، وعلى رأسها قبيلة الزغاوة. وقد وثقت مقاطع مصورة إعدامات ميدانية بحق مدنيين على أساس الانتماء القبلي.

وعلى الرغم من هذه الجرائم، فشل مجلس الأمن في اتخاذ إجراءات رادعة، مكتفيًا بإصدار قرارات شكلية تدعو إلى وقف إطلاق النار، من دون أي آلية تنفيذية تلزم الأطراف المتحاربة.

وتُجمع تقارير الأمم المتحدة ووسائل إعلام دولية على أن الإمارات وفرت جسرًا جويًا سريًا لنقل الأسلحة الثقيلة والطائرات المسيّرة إلى قوات الدعم السريع عبر دول مجاورة، مستخدمة غطاءً إنسانيًا لتجنب الرقابة الدولية، ومتهمة بتزوير وثائق الرحلات الجوية وعرقلة التحقيقات الأممية.

وتبرر الإمارات تدخلها بأنها تواجه عودة الإسلام السياسي، إلا أن الوقائع تشير إلى أن هدفها الحقيقي هو تأمين نفوذ اقتصادي واسع في السودان، خصوصًا في قطاعات الذهب والزراعة والموانئ على البحر الأحمر. وقد أصبحت الإمارات وجهة رئيسية للذهب الأفريقي غير المعلن، بقيمة تتجاوز 115 مليار دولار خلال عقد واحد.

كما أن علاقاتها الوثيقة بقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ودورها في إدارة أموال الميليشيا وشبكاتها التجارية من داخل أراضيها، يوثّقان مستوى التورط السياسي والاقتصادي والعسكري.

إن جوهر الأزمة واضح: من دون الدعم الإماراتي، ما كان لقوات الدعم السريع أن تواصل حصار الفاشر أو تنفيذ مشروع الإبادة الجماعية. وإذا كانت الإمارات جادة في ادعاءاتها بدعم الاستقرار ورفض الجرائم ضد المدنيين، فإن الخطوة الحاسمة التي يمكن أن تنهي الحرب تتمثل في الضغط على قوات الدعم السريع للانسحاب فورًا ووقف العمليات القتالية.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *